المدرسة الافتراضية للترجمة وفنون اللغة العربية (جيمارا)

The Virtual School of Translation and Arabic Related Arts (JEEMARA)

Announcement

Collapse
No announcement yet.

الترجمة: من يعلِّمها ومن يجب أن يُعلِّمها؟

Collapse
X
Collapse
  •  

  • الترجمة: من يعلِّمها ومن يجب أن يُعلِّمها؟

    الترجمة: من يعلِّمها ومن يجب أن يُعلِّمها؟

    تعليم الترجمة يطغى عليه الطابع الأكاديمي المرتبط بالدرجات العلمية، لكنَّ السؤال يبقى ما إذا كان المعلِّم أو الميسِّر يجب أن يكون قدوة لطلبة الترجمة.

    نسمع عن مترجمين أدُّوا الترجمة عبر العصور وتركوا آثارهم في نقل المعلومات والكتب من لغة لأخرى، لكنَّنا لا نجد كثيراً من الأدلة التاريخية الموثوق بها حول الطريقة التي كان فيها المترجم يتعلم الترجمة أو ربما يعلّمها، أياً كان الوضع، فالمعروف للقاضي والداني أنَّ الترجمة عبر العصور لغاية أواخر القرن العشرين لم تكن مجالاً علمياً للدراسة الأكاديمية، ولم يكن هنا اتفاق على طريقة تعليمها، ولا عمَّن يعلمها.

    لمن يستعجل الحكم فيقول إنَّ مقررات الترجمة كانت بالفعل تُدرَّس في الجامعات قبل أواخر القرن العشرين، نرد عليه بقولنا ورأينا أنَّ ذلك لا يرد على السؤال المحير في هذا المقال. فهل كان تعليم الترجمة “علمياً”؟ وهل يكفي أن نعلِّم الترجمة في الجامعة ليكون التعليم علمياً؟ لا بد لنا قبل الاستعجال بوصف كل ما يُدرَّس في الجامعة بأنه علمي أن نقف قليلاً ونتأمل في كلمة “علمي”. فالمعروف أنَّ العلوم جاءت بسبب تساؤلات فضولية للإنسان حول ظواهر طبيعية، فيبدأ البحث العلمي للإجابة على أسئلة صارمة وبها يستطيع “العالِم” أن يجزم وصوله لحقيقة الشيء، ثم يحدد كيف نشأ المضمار الذي يبحث فيه، وما مآله، والأهم من ذلك، يضع العالِم قواعد صارمة إذا اتَّبعها غيره في ظروف معينة ثابتة تظهر النتيجة ذاتها. وعندما نجمع أعمال علماء كثر درسوا الموضوع من عدة زوايا، نحصل على قدر جيد قوي من المعرفة الحقيقية التي تجعلنا أكثر قرباً للموضوع وأكثر قدرة على التنبؤ، ونقصد بالتنبؤ قولنا إن فعلت كذا كان كذا، أو في الترجمة لو جاز التعبير نقول إن قال لك أحدهم “يا جمال البوبعة” في مجال الاستغراب في مدينة حلب، فهذه ثقافياً معناها “أنا أستغرب أنك لو كتبت أي شيء حتى لو كان من غير معنى لكنت حصلت على درجة واحدة لكنك في الاختبار حصلت على صفر”، أو قول أحدهم لك إذا ترجمت من الإنجليزية إلى العربية فاستخدم الفواصل وحروف العطف، أما في الترجمة من الإنجليزية إلى العربية فقلل من الفواصل والروابط اللفظية. تلك أفكار يمن أن نسمعها في العالم الأكاديمي، لكنها لا تجيب على السؤال: هل التعليم الأكاديمي للترجمة علمي؟ وهل المعلم الذي يعلم الترجمة عالِم؟ وهل هو نموذج يحتذى به في الترجمة؟

    السؤال الكبير الذي ما زال قيد النقاش والجدل ما إذا كان معلم الترجمة يجب أن يكون مثالاً يحتذى به في تعليم الترجمة. وهكذا، ينادي مشجعو تعليم الترجمة عن طريق المراس والمهارة العملية بأن يكون المعلم مترجماً ينقل تجاربه وحلوله للمشكلات إلى الطلاب. وهي طريقة يمكن الاستفادة منها بتقديم نصوص واقعية للطلاب وعرض الأساليب التي استخدمها المترجم لحل المشكلات. في المقابل، يقول آخرون إنَّ تعليم الترجمة يجب أن يبنى على أسس علمية صارمة تقوم على دراسات حقيقية وأبحاث لا تحيز فيها لإبداء الحقيقة ونقلها بشفافية وموضوعية. وذلك فيه وجهة نظر، فمعلم الترجمة إذا سأله الطالب “هل يجوز أن أقدم الجملة الظرفية في الترجمة؟” تكون إجابته “في حالة الجملة التي معك الآن، يقول الباحثون إنَّ التقديم والتأخير يسببان مشكلة في التركيز، فلا يصح لك تقديم ما تشاء دون سبب”، وذلك يقابل ما يمكن أن نتخيله من رد لشخص لا اهتمام علمياً له فيقول “خذ مني أنا لا أخدعك”.


    مشكلات التعليم الأكاديمي

    الترجمة العملية تتعامل مع آلاف الوثائق يومياً كل واحدة منها فيها خصائص كثيرة متغيرة ومتقلبة في سياقات مختلفة، كلها يدركها المترجم ويواكبها. وذلك بطبيعة الحال من أكثر التحديات التي يواجهها التعليم الأكاديمي، فإذا وافقنا على أنّ التعليم الأكاديمي يجب أن يكون علمياً فمعنى ذلك أنه يجب أن يكون قائماً على الأبحاث، وهنا المشكلة. فالمشكلات التي تحدث في عالم الترجمة العملي كثيرة جداً، والحلول التي يطبقها المترجمون كثيرة جداً، وليس بمقدور أيٍّ من الباحثين أن يحيط بها جميعاً، وهنا سيكون في موقف صعب عند تعليم الترجمة، ذلك أنَّ الطالب إذا سأله “هل أغير الفعل إلى اسم في الترجمة” فقد يقول له المعلم يمكنك فعل ذلك وفقاً لنظرية فلان وفلان في عام ألف وتسعمائة وخشبة. صحيح، لكنَّ المعلم لا يستطيع أن يقول له مثلاً “يقول المترجم الفلاني الذي جلست إليه البارحة أنَّه واجه المشكلة وحلها بطريقة مختلفة عن حلول تلك النظرية”، أما السيناريو الآخر فهو إجابة المعلم للسؤال بجهل مطبق دون الاستناد لأسس علمية، ومرة أخرى نقصد بالأسس العلمية الأبحاث الرصينة، فهذا ما يدعيه الأساتذة في الجامعات. يقودنا ذلك إلى مشكلة أعمق تخص المعلم نفسه فهل هو نموذج يحتذى به في الترجمة؟ لدينا مثال يمكن فهم المشكلة من خلاله:

    الطالب: هل أقول “beat” بدلاً من “punish” عند ترجمة جملة “عاقبت المحكمة المدان”؟
    المعلم الأكاديمي: لا يمكنك ذلك لأنَّ الكلمتين مختلفتان.
    المعلم الأكاديمي العلمي: الكلمتان مختلفتان، والأصل وفق نظريات الترجمة الفلانية، أنه لا يجوز تغيير معنى الكلمة إلا لسبب. وأنت الآن في الحديث عن المحكمة، وهناك كلمات محددة يجب الالتزام بها، وذلك كله ليس رأياً محابياً من جهتي بل هذا ما قاله الباحث فلان في سنة كذا وكذا.

    الرد الأول لا يقدم حلاً، لأنَّ الطالب يريد أن تخبره بطريقة إذا التزم بها نجا في الترجمة، أما الطريقة الثانية في الرد فطويلة جداً وتعتمد على معلومات دقيقة لكنها بالية زمنياً وغير محدثة.

    من الحلول التي يبحث عنها البعض لتلك المشكلة اتباع ما يسمى بالتدريب من خلال المراس أو التدريب العملي.

    مشكلات التعليم بالمراس
    في درس الترجمة الفورية، يأتي الأكاديمي بمقاطع فيديو فيها خطابات رنانة ويطلب ترجمها، مع أنه هو نفسه لا يعرف ترجمتها، ثم يحاسب الطالب على كل كلمة خاطئة في الترجمة، مع أننا في واقع عملنا في الترجمة الفورية نتعمد الإضافة والحذف والتغيير لأهداف كثيرة نعرفها ونعيها، ثم يأتي أكاديمي الترجمة السياسية فيقول لطلابه ترجموا خبراً عن زيارة رئيس الوزراء الصيني لليابان، ونحن في عالم الترجمة السياسية التطبيقية نعلم أن ذلك الخبر آخر ما يمكن أن يردنا للترجمة التي نقتات بها، ثم يأتي الأكاديمي من جديد ليعلم الطلاب الخيانة والأمانة في الترجمة، رغم أننا نعرف في واقع عملنا أنَّنا نترجم الكتب حسبما يصلنا من تعليمات من العميل، وفي معظم الأحيان يطلب العميل إلينا تقديم ترجمة إبداعية حتى لو كانت بعيدة عن الحرف ما دام المعنى لم يتغير، بل تذهب الترجمة إلى مدققين لغويين وعلميين ثم تعود وتذهب وتعود إلى أن تصبح جاهزة. أعمالنا كثيرة وآثارنا كثيرة في الترجمة، كلها نستطيع أن نتيحها للمتدرب ليتعلم منها. تلك من أهم حسنات التعليم بالمراس، لكن المشكلة أن نجد في سوق العمل من يؤتمن عليه في التعليم. لقد بدأنا نرى كثيراً ممن هب ودب يدعون علماً لا يمتلكونه ويقدمون تعليماً خاطئاً. هذه مشكلتنا الأساسية تتمثل في عدم الثقة بالمدرب، أما المشكلة الأخرى فعدم وجود منهج معقول مناسب وعدم القدرة على توقع المخرجات التعليمية، والأهم من ذلك عدم وجود المردود المالي للمعلم.

    خلاصة الأمر، أفكر بسؤال واحد: من يستحق لقب معلِّم الترجمة؟ هل يُعلِّم الترجمة من ليس له نتاج في الترجمة بين اللغتين؟ هل يعلمها من لا يعرف شيئاً عنها؟ هل يعلمها من يعرفها ويعيشها لكنه يفتقر إلى كل مهارات تعليمها؟

    لا إجابة على السؤال. فلا أحد يريد الوصول إلى الإجابة، وإلى أن تُردَم الفجوة بين العالم الأكاديمي والعالم المهني، لا بد من الاعتراف بأنَّ مهنة تعليم الترجمة قد وُئِدَت في مهدها، وأصبحت جهداً فردياً صرفاً.

    وعلى أساس الجهد الفردي، ظهر كثير منا من المترجمين ليقدم دروساً في الترجمة كل واحد منا حسب قدرته واختصاصه، ومع ذلك، يبقى التحدي في إفهام الناس بأنَّ ما يتعلموه على يد غير المترجمين لا يمس واقع المهنة ولا تحدياتها ولا حلولها. وقبل أن نعلن طلاقاً بائناً عن مهنة التعليم البائسة التي نقدمها، نذكر المثل الشعبي: كل عنز معلق بعرقوبه.

      Posting comments is disabled.

    Categories

    Collapse

    Article Tags

    Collapse

    There are no tags yet.

    Latest Articles

    Collapse

    • The Awakening
      by Mohammed
      The Awakening
      A short story by Mar Delaplume
      July 31, 2023

      In a world plagued by fear and despair, a man named Gabarosh woke up one morning feeling a profound change within himself. A voice echoed in his soul, declaring, "You are the TranKarta. Go! Go!"

      Confused yet emboldened, Gabarosh stepped outside and addressed the people, "I am the TranKarta." The crowd initially remained silent; their eyes filled with skepticism. They had grown up...
      07-31-2023, 10:28 AM
    • Orphaning in translation
      by Mohammed
      In translation studies, "orphanisation" refers to a specific type of translation problem or challenge that occurs when a translated text becomes disconnected from its source or original context. It can happen when a translated work is divorced from its original cultural, historical, or linguistic context, leading to a loss of meaning, nuance, or intended message. More specifically, it is a process whereby the semiotic network of a text is completely lost after translation, as all connections...
      07-12-2023, 09:19 AM
    • The Mirror- Short story
      by Mohammed
      The Mirror

      An old almanac sits on the table, and the young woman's fingers are quivering as they flip through the yellow pages. The 20th of May, a Sunday, is where she lets her finger down. Tears began to fall, and the paper soon became soggy. Philippa's husband Christophe died a year ago today, leaving her and their son Jacques with nothing except a small farm and a cow to get by. Since then, she has learned to keep her emotions under wraps and keep her strength and composure in check.
      ...
      06-12-2023, 08:43 AM
    • الترجمة: من يعلِّمها ومن يجب أن يُعلِّمها؟
      by Mohammed

      الترجمة: من يعلِّمها ومن يجب أن يُعلِّمها؟

      تعليم الترجمة يطغى عليه الطابع الأكاديمي المرتبط بالدرجات العلمية، لكنَّ السؤال يبقى ما إذا كان المعلِّم أو الميسِّر يجب أن يكون قدوة لطلبة الترجمة.

      نسمع عن مترجمين أدُّوا الترجمة عبر العصور وتركوا آثارهم في نقل المعلومات والكتب من لغة لأخرى، لكنَّنا لا نجد كثيراً من الأدلة التاريخية الموثوق بها حول الطريقة

      ...
      06-12-2023, 08:34 AM
    • The meat- short story
      by Mohammed
      The meat


      In a city called Potorkal, there once lived a happy couple. The weekend is here, and they are just planning for a joyful afternoon. The husband asks his wife what she would cook for lunch, to which she suggests rice and mutton. He reaches into his wallet, but he can only find a little to get through the remaining ten days of the month; there's no way meat will be on the menu this week.

      The woman’s face glimmers with a cunning smile as this crazed idea
      ...
      11-20-2022, 09:48 PM
    • How to become a freelance translator
      by Mohammed

      كيف يمكن لك أن تدخل سوق العمل كمترجم مستقل؟
      لعل هذا السؤال هو الأكثر شيوعاً مما يصلني من حديثي التخرج أو حتى المترجمين وأحياناً الطلاب. ولكي نجيب عليه لا بد أولاً من الاتفاق على المفهوم العام لعبارة "المترجم المستقل".
      عندما تكون موظفاً، هناك حقوق ومسؤوليات محددة يجب

      ...
      10-07-2021, 10:48 AM
    About us
    The Virtual School for Translation and Arabic Related Arts (JEEMARA) is a place for trainees and professionals to meet and discuss issues related to their self-development.
    Important Links
    Follow us
    Privacy Policy
    BACK TO TOP
    Working...
    X