
قبل أن يتراجع عنه، كان توجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نحو إلغاء القيود المفروضة على حركة الأفراد وعلى العمل في المصانع والمصالح الاقتصادية والمالية والتجارية كاشفا عن الطبيعة العنيفة للنظام الرأسمالي السائد في الولايات المتحدة. فعلى الرغم من الانتشار المفزع لفيروس كورونا والوفيات الكثيرة والصعوبات البالغة التي تعانيها فرق الرعاية الصحية بسبب الأعداد الكبيرة للمصابين والنقص الخطير في بعض المعدات والإمدادات الطبية الضرورية (كأجهزة التنفس)، أراد ترامب فتح أبواب الأسواق وإطلاق النشاط الاقتصادي والمالي والتجاري خوفا من الركود الذي صار واقعا عالميا وطلبا لتحجيم خسائر البورصات في الغرب والشرق بعد انهيار الأيام الأخيرة الذي تجاوز سقوط الأزمة المالية .2008
لم يتراجع رجل الاعمال الرئيس إلا بعد أن حذر العلماء والأطباء الأعضاء في لجنة إدارة «أزمة كورونا» التابعة للبيت الأبيض من أن عدد قتلى الفيروس قد يصل إلى مائتي ألف حال إلغاء القيود المفروضة على الحركة والعمل وبعد أن أعلن العديد من حكام الولايات الأمريكية رفضهم للإلغاء المحتمل.
كان توجه الرئيس الأمريكي كاشفا عن الطبيعة العنيفة للنظام الرأسمالي المستعد دوما في سبيل المكاسب والأرباح للتضحية بحق الناس في الحياة الآمنة والحماية من الأمراض والأخطار الصحية في مقدمة مقوماتها. مثلما يرفض النظام الرأسمالي في الولايات المتحدة الاعتراف بالكوارث البيئية والمناخية التي ألحقها بعالمنا ويقاوم التغيير باتجاه أنماط جديدة للنشاط الصناعي والاقتصادي والتجاري تحد من التلوث وتجدد شباب الأرض ومثلما يرفض الكف عن استغلال الفقراء والضعفاء والمهمشين من العمالة غير الشرعية في الولايات المتحدة ويقاوم إقرار حقوقهم الأساسية من الحق في الحصول على مقابل مادي عادل للعمل إلى الحق في التأمين الصحي، يرفض النظام الرأسمالي أيضا قبول حقيقة أن الحد من الأخطار التي يحملها فيروس كورونا للأفراد وللمجتمعات البشرية يستدعي تعطيل الأسواق وإغلاق ويستدعي أيضا تغليب تقديم المساعدات المالية والحوافز الضريبية للفقراء ومحدودي الدخل والعاطلين عن العمل وأصحاب المصالح الاقتصادية والتجارية الصغيرة ومتوسطة الحجم على إعطاء الأغنياء والشركات الكبيرة المزيد من التنازلات.
Comment